فصل: (فَصْلٌ): (اخْتَلَافُ الْبَائِعِ والْمُشْتَرِي عِنْدَ مَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [الْمُشْتَرِي يَنْزَعُ نَعْلَ دَابَّةٍ بعد رَدَّهَا بِعَيْبٍ]:

(لَوْ أَنْعَلَ مُشْتَرٍ الدَّابَّةَ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِعَيْبٍ)، فَلَهُ ذَلِكَ، وَنَزَعَ النَّعْلَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، (وَإِنْ كَانَ نَزْعُ النَّعْلِ يَعِيبُهَا، لَمْ يَنْزِعْ)؛ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالًا لِلضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ، (وَلَا) يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي (قِيمَةَ) النَّعْلِ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِفِعْلِهِ، (بَلْ) عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ (يَصْبِرَ لِسُقُوطِهِ)، أَيْ: النَّعْلِ، أَوْ مَوْتِ الدَّابَّةِ، (فَيَأْخُذَهُ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مَطْوِيًّا، إمَّا بِالصِّفَةِ، أَوْ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ الدَّالِّ عَلَى بَقِيَّتِهِ، فَنَشَرَهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقِصُهُ النَّشْرُ، فَلَهُ رَدُّهُ مَجَّانًا، وَإِنْ كَانَ يُنْقِصُهُ النَّشْرُ، كالهسنجاني الَّذِي يُطْوَى عَلَى طَاقَيْنِ، فَكَجَوْزِ هِنْدٍ كَسَرَهُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ، فَلَهُ ذَلِكَ مَعَ رَدِّ أَرْشِهِ، لِنَقْصِهِ بِالنَّشْرِ، وَلَهُ أَخْذُ أَرْشِهِ إنْ أَمْسَكَهُ.

.(فَصْلٌ): [خيار العيب على التراخي]:

(وَخِيَارُ عَيْبٍ مُتَرَاخٍ)، كَخِيَارٍ (لِإِفْلَاسِ مُشْتَرٍ) بِالثَّمَنِ (وَ) خِيَارِ (خُلْفٍ فِي صِفَةٍ) أَوْ لِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ مُتَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ رَدُّ ضَرَرٍ مُسْتَحَقٍّ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ، كَالْقِصَاصِ، (لَا يَسْقُطُ إلَّا إنْ وُجِدَ دَلِيلُ رِضَا مُشْتَرٍ)؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرِّضَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِهِ، (كَتَصَرُّفِهِ) فِي مَبِيعٍ (بَعْدَ عِلْمِهِ) بِعَيْبِهِ (وَقَبْلَ فَسْخٍ) بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ، (أَوْ قَبْلَ اخْتِيَارِ إمْسَاكٍ) فِي مَبِيعٍ، (وَكَاسْتِعْمَالِهِ) الْمَبِيعَ (لِغَيْرِ، تَجْرِبَةٍ)، كَوَطْءٍ وَحَمْلٍ عَلَى دَابَّةٍ، (فَيَسْقُطُ أَرْشٌ، كَرَدٍّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا. وَإِنْ تَصَرَّفَ فِي بَعْضِهِ، فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي، لَا رَدُّهُ (وَعَنْهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ (لَهُ الْأَرْشُ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (اخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَالَ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: فِيهِ بُعْدٌ. وَقَالَ الْمُوَفَّقُ هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، (وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْفَائِق وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّتُهُ)، أَيْ: الْقَوْلِ بِالْإِمْسَاكِ مَعَ الْأَرْشِ، إنْ وُجِدَ دَلِيلُ الرِّضَا (مِنْ جَاهِلٍ) بِالْحُكْمِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ، فَلَا خِيَارَ لَهُ وَلَا أَرْشَ. وَفِي هَذَا الِاتِّجَاهِ مِنْ صِنَاعَةِ التَّعْبِيرِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاقِدِ الْبَصِيرِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَصْحِيحِ كِلْتَا الْعِبَارَتَيْنِ، بِفَهْمٍ أَنِيقً وَنَظَرٍ دَقِيقٍ. (وَلَا يَفْتَقِرُ رَدُّ) مُشْتَرٍ مَبِيعًا لِنَحْوِ عَيْبٍ (إلَى حُضُورِ بَائِعٍ، وَلَا إلَى رِضَاهُ، وَلَا لِحُكْمِ) حَاكِمٍ، كَالطَّلَاقِ، (وَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ) فِي الْمُعَامَلَاتِ (قُلْنَا إنَّ لَهُ)، أَيْ: الْعَاقِدِ (الْفَسْخَ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ)، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. (وَلِمُشْتَرٍ مَعَ غَيْرِهِ)، بِأَنْ اشْتَرَى شَخْصَانِ فَأَكْثَرُ (مَعِيبًا) صَفْقَةً وَاحِدَةً، أَوْ اشْتَرَيَا مَعِيبًا (بِشَرْطِ خِيَارٍ)، أَوْ غُبِنَا، أَوْ دُلِّسَ عَلَيْهِمَا (إذَا رَضِيَ الْآخَرُ) بِالْبَيْعِ، وَأَمْضَاهُ (الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ) مِنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ، فَجَازَ، (كَشِرَاءِ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ) شَيْئًا، ثُمَّ بَانَ عَيْبُهُ، أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ وَنَحْوِهِ، فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا بَاعَهُ لَهُ، وَلَا تَشْقِيصَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُشَقَّصًا قَبْلَ الْبَيْعِ، و(لَا) يَرُدُّ وَاحِدٌ نَصِيبَهُ مِنْ مَعِيبٍ أَوْ مَبِيعٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ أَوْ نَحْوِهِ (إذَا وَرِثَ) الْمَعِيبَ أَوْ خِيَارَ الشَّرْطِ، (فَرَضِيَ بَعْضُ وَرَثَةٍ)، لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَشْقِيصِ السِّلْعَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِرَدِّ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِي، وَقَدْ أَخْرَجَهَا الْبَائِعُ عَنْ مِلْكِهِ غَيْرَ مُنْتَقِصَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهَا لِوَاحِدٍ، لَكِنْ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنْ الْوَرَثَةِ الْمُطَالَبَةُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَرْشِ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. (وَيَتَّجِهُ مَا لَمْ يَكُنْ) الْمَبِيعُ الْمَعِيبُ (نَحْوَ مَكِيلٍ)، كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ، رَضِيَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ مَعِيبًا، فَلِمَنْ سَخِطَهُ رَدُّ حِصَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ [وَهُوَ مُتَّجِهٌ]. (وَلِحَاضِرٍ [مِنْ] مُشْتَرِي نَحْوِ مَكِيلٍ)، كَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ وَمَذْرُوعٍ (نَقْدُ ثَمَنِ نِصْفِهِ)، أَيْ: الْمَبِيعِ لَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، (وَقَبْضُ نِصْفِهِ)، لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مُشَقَّصًا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ، أَيْ: مِنْ جَوَازِ فَسْخِ الْحَاضِرِ وَرَدِّ حِصَّتِهِ، وَمِنْ نَقْدِهِ ثَمَنَ النِّصْفِ وَأَخْذِهِ، (جَوَازُ تَصَرُّفِ شَرِيكٍ فِي مَبِيعٍ مِثْلِيٍّ)، كَمَكِيلٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ نَقَدَهُ)، أَيْ: الثَّمَنَ (كُلَّهُ) عَنْ نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ، (لَمْ يَقْبِضْ إلَّا نِصْفَهُ)، أَيْ: الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِالْعَقْدِ غَيْرَهُ، وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ، فَلَيْسَ لِبَائِعٍ إقْبَاضُهُ، بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ، (وَرَجَعَ) مُقْبِضُ كُلِّ الثَّمَنِ (عَلَى غَائِبٍ) بِنَظِيرِ مَا عَلَيْهِ مِنْهُ، إنْ نَوَى الرُّجُوعَ. وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ: (بِعْتُكُمَا) بِكَذَا وَكَذَا، (فَقَالَ: أَحَدُهُمَا قَبِلْت) وَسَكَتَ الْآخَرُ، صَحَّ الْبَيْعُ (لَهُ)، أَيْ: لِلْقَائِلِ: قَبِلْتُ: (فِي نِصْفِهِ)، أَيْ: نِصْفِ الْمَبِيعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، لِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ، بِتَعَدُّدِ الْمَعْقُودِ مَعَهُ. (وَمَنْ اشْتَرَى مَعِيبَيْنِ) مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً، (أَوْ) اشْتَرَى (مَعِيبًا فِي وِعَاءَيْنِ صَفْقَةً، لَمْ يَمْلِكْ رَدَّ أَحَدِهِمَا)، أَيْ: أَحَدِ الْمَعِيبَيْنِ أَوْ مَا فِي أَحَدِ الْوِعَاءَيْنِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِهِ، أَشْبَهَ رَدَّ بَعْضَ الْمَعِيبِ الْوَاحِدِ، وَلَهُ مَعَ الْإِمْسَاكِ الْأَرْشُ، (إلَّا إنْ تَلِفَ الْآخَرُ) فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِي بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، كَرَدِّ الْجَمِيعِ، (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي (بِيَمِينِهِ فِي قِيمَةِ تَالِفٍ) لِيُوَزِّعَ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَمَا يَدَّعِيه الْبَائِعُ مِنْ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ (وَمَعَ عَيْبِ أَحَدِهِمَا)، أَيْ: أَحَدِ الْمَعِيبَيْنِ أَوْ مَا فِي الْوِعَاءَيْنِ (فَقَطْ) دُونَ الْآخَرِ (لَهُ رَدُّهُ)، أَيْ: الْمَعِيبِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَا يَرُدُّ أَحَدَهُمَا (إنْ نَقَصَ) مَبِيعٌ (بِتَفْرِيقٍ، كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَزَوْجَيْ خُفٍّ) بِيعَا، وَوُجِدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ، فَلَا يَرُدُّهُ وَحْدَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ، (أَوْ حَرُمَ) بِتَفْرِيقٍ، (كَأَخَوَيْنِ)، وَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ بِيعَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَبَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا، (فَيَرُدُّهُمَا) مَعًا، (أَوْ) يَأْخُذُ مِنْ الْبَائِعِ (الْأَرْشَ)، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ، لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، (وَمِثْلُهُ)، أَيْ: مِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَخَوَيْنِ، رَقِيقٌ (جَانٍ لَهُ وَلَدٌ) أَوْ أَخٌ وَنَحْوُهُ، وَأُرِيدَ بَيْعُ الْجَانِي فِي الْجِنَايَةِ، فَلَا يُبَاعُ وَحْدَهُ، لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ، بَلْ (يُبَاعَانِ) وَقِيمَةُ جَانٍ تُصْرَفُ فِي أَرْشِ جِنَايَةٍ، عَلَى مَا يَأْتِي، (وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) أَوْ نَحْوِهِ (لِمَوْلَاهُ)، لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ بِهِ، وَإِنَّمَا بِيعَ ضَرُورَةَ تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ. (وَالْمَبِيعُ بَعْدَ فَسْخٍ) لِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَمَانَةٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ)، لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ، (لَكِنْ يَرُدُّهُ) مُشْتَرٍ (فَوْرًا، فَإِنْ قَصَّرَ فِي رَدِّهِ)، فَتَلِفَ، (ضَمِنَهُ)، كَثَوْبٍ أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ.

.(فَصْلٌ): [اخْتَلَافُ الْبَائِعِ والْمُشْتَرِي عِنْدَ مَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ]:

(وَإِنْ اخْتَلَفَا)، أَيْ: بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ (عِنْدَ مَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ) فِي الْمَبِيعِ (مَعَ الِاحْتِمَالِ)، لِحُصُولِهِ عِنْدَ بَائِعٍ وَحُدُوثِهِ عِنْدَ مُشْتَرٍ، كَخَرْقِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ، (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا [ف] الْقَوْلُ (قَوْلُ مُنْتَقَلٍ إلَيْهِ)، وَهُوَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الْمَبِيعِ، وَالْبَائِعُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي الثَّمَنِ (بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْقَبْضَ، فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، كَقَبْضِ الْمَبِيعِ (عَلَى الْبَتِّ)، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ الْعَيْبُ، أَوْ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ، (إنْ لَمْ يَخْرُجْ) الْمَبِيعُ (عَنْ يَدِهِ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي، إلَى يَدِ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُهُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ، ثُمَّ رُدَّ إلَيْهِ بِعَيْبِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ وَلَا رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْهُ اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ عِنْدَ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ، (وَإِلَّا)، بِأَنْ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُهُ، فَلَوْ اُسْتُحْلِفَ، حَلَفَ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ)، وَامْتَنَعَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ شِرَائِهِ، فَإِذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، حَلَفَ الْبَائِعُ، وَأُلْزِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَفْهُومَهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ نُصُوصَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ. (وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ إلَّا قَوْلُ أَحَدِهِمَا)، أَيْ: الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي، (كَإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ)، وَشَجَّةٍ مُنْدَمِلَةٌ لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ مِثْلِهَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ حُدُوثَهَا، قُبِلَ قَوْلُ مُشْتَرٍ بِلَا يَمِينٍ، (وَكَجُرْحٍ طَرِيٍّ) لَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ قَدِيمًا، (قُبِلَ) قَوْلُ بَائِعٍ (بِلَا يَمِينٍ)؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى اسْتِحْلَافِهِ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعِ) شِقْصٍ (مُعَيَّنٍ) بِيَمِينِهِ (أَنَّهُ)، أَيْ: الْمَعِيبَ الْمُعَيَّنَ بِعَقْدٍ، (لَيْسَ الْمَرْدُودَ) نَصًّا؛؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ كَوْنَ هَذِهِ سِلْعَتَهُ، وَيُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ، (إلَّا فِي خِيَارِ شَرْطٍ) إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّ مَبِيعٍ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ كَوْنَهُ الْمَبِيعَ، فَالْقَوْلُ (قَوْلُ مُشْتَرٍ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ الْمَرْدُودُ؛ لِأَنَّهُمَا هُنَا اتَّفَقَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَذَا اعْتِرَافُ الْبَائِعِ بِعَيْبٍ مَا بَاعَهُ، فَفَسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَرْدُودُ، فَقَوْلُ الْمُشْتَرِي، لِمَا تَقَدَّمَ. صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي فِي التَّفْلِيسِ، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ (قَابِضٍ) مِنْ بَائِعٍ وَغَيْرِهِ بِيَمِينِهِ فِي (ثَابِتٍ فِي ذِمَّةٍ مِنْ ثَمَنِ) مَبِيعٍ. (وَيَتَّجِهُ وَمُثَمَّنٌ) أَقَرَّ بِقَبْضِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَتَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَفُرُوقِ السَّامِرِيِّ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ [وَأَنَّهُ مُرَادُهُمْ] وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَقَرْضٌ وَسَلَمٌ وَأُجْرَةٌ وَقِيمَةُ مُتْلَفٍ وَصَدَاقٌ وَنَحْوُهُ)، كَجَعَالَةٍ مِمَّا هُوَ فِي ذِمَّةِ دَافِعٍ إذَا دَفَعَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَ مَقْبُوضٌ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَأْخُوذَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ بِحَيْثُ يَغِيبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي الذِّمَّةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ حُكْمَ (كُلٍّ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ قُبِضَ) وَاخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمَرْدُودَ، (كَمَبِيعٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ وَكِيلٍ بِعَيْبٍ مُحْتَمَلٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ الْمُنْكِرِ) لَهُ، أَيْ: إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ فِيهِ، وَكَانَ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَةَ الْعَقْدِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْعَيْبِ كَمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (بِخِيَارِ شَرْطٍ)، وَتَقَدَّمَ، فَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ، وَيَرُدُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِ قَبُولِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ (هُنَا. وَيَأْتِي) تَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُوَافَقَةُ الْإِقْنَاعِ لِغَيْرِهِ (فِي بَابِ الْوَكَالَةِ) مُسْتَوْفًى. (وَمَنْ بَاعَ قِنًّا) عَبْدًا أَوْ أَمَةً- وَلَوْ مُدَبَّرًا وَنَحْوَهُ- (تَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ مِنْ نَحْوِ قِصَاصٍ)، كَحَدٍّ (وَلِمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ)، أَيْ: لُزُومَ الْعُقُوبَةِ لَهُ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لِرِضَاهُ بِهِ مَعِيبًا، (وَإِنْ عَلِمَ) بِذَلِكَ (بَعْدَ الْبَيْعِ، خُيِّرَ بَيْنَ رَدٍّ) وَأَخْذِ مَا دَفَعَ مِنْ ثَمَنٍ، (وَ) بَيْنَ أَخْذِ (أَرْشٍ)؛ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، (وَهُوَ)، أَيْ: الْأَرْشُ قِسْطُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ جَانِيًا وَسَلِيمًا)، فَلَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِمِائَةٍ، وَجَانِيًا بِثَمَانِينَ، فَمَا بَيْنَهُمَا الْخُمُسُ، فَالْأَرْشُ إذَا خَمَّسَ الْمِائَةَ، وَهُوَ عِشْرُونَ، وَإِنْ دَلَّسَ بَائِعٌ، فَاتَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ مُشْتَرٍ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ عَلِمَ مُشْتَرٍ (بَعْدَ قَطْعٍ) قِصَاصًا، أَوْ لِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (وَلَا تَدْلِيسَ، فَحُكْمُهُ، كَمَا لَوْ) اشْتَرَى مَبِيعًا مَعِيبًا عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ، ثُمَّ (عَابَ عِنْدَهُ)، أَيْ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ لِلْعَيْبِ الْأَوَّلِ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَلَهُ الرَّدُّ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْقَطْعِ دُونَ حَقِيقَةٍ، وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي الْقَطْعَ لَيْسَ بِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ قَبْلَ الْبَيْعِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا، فَلَا يُسْقِطُ ذَلِكَ حَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّدِّ، انْتَهَى.
فَعَلَيْهِ يَكُونُ تَشْبِيهُهُ بِمَا تَعَيَّبَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَطْ، لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ دَلَّسَ عَلَيْهِ رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَذَهَبَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ إنْ قُتِلَ أَوْ قُطِعَ. (وَيَتَّجِهُ وَأَرْشُهُ) قِسْطُ (مَا بَيْنَ كَوْنِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ (مَقْطُوعًا) طَرَفُهُ (بِالْفِعْلِ، أَوْ) كَوْنِهِ (مُسْتَحِقًّا لِلْقَطْعِ)، فَيُقَوَّمُ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ وَمَقْطُوعًا، وَيُرَدُّ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ لَزِمَهُ)، أَيْ: الْقِنَّ الْمَبِيعَ، أَيْ: تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ (مَالٌ) أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ (قَبْلَ بَيْعِهٍ)، أَوْ جَنَى عَمْدًا، وَعَفَا عَنْهُ إلَى مَالٍ- وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ- (قَدَّمَ بِهِ حَقُّ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ)؛ لِسَبَقِهِ عَلَى مُشْتَرٍ، فَيُبَاعُ فِيهَا، وَيُوَفِّي الْمَالَ الْوَاجِبَ بِالْجِنَايَةِ، (وَلِمُشْتَرٍ) جَهِلَ الْحَالَ (الْخِيَارُ)، لِتَمَكُّنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ انْتِزَاعِهِ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ، وَاسْتَوْعَبَتْ الْجِنَايَةُ رَقَبَةَ الْمَبِيعِ، وَأَخَذَ بِهَا، رَجَعَ مُشْتَرٍ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ مِثْلِ ذَلِكَ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْعِبَةً، فَيَرْجِعُ بِقَدْرِ أَرْشِهِ، أَيْ: نِسْبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَانِي مِائَةً وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ خَمْسِينَ، رَجَعَ مُشْتَرٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، (وَإِنْ كَانَ) بَائِعٌ (مُوسِرًا، تَعَلَّقَ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشٍ) وَجَبَ بِجِنَايَةِ مَبِيعٍ قَبْلَ بَيْعٍ، (وَقِيمَةُ) الْجَانِي (بِذِمَّتِهِ)، أَيْ: الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي الْجِنَايَةِ وَفِدَائِهِ، فَإِذَا بَاعَهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ أَرْشُهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، (وَلَا خِيَارَ لِمُشْتَرٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، لِرُجُوعِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ عَلَى بَائِعٍ.

.(فَرْعٌ): [مَنْ اشْتَرَى مَتَاعًا فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى]:

(مَنْ اشْتَرَى مَتَاعًا، فَوَجَدَهُ خَيْرًا مِمَّا اشْتَرَى، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِبَائِعِهِ الْجَاهِلِ) بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَلَا رَدَّ، لِرِضَاهُ بِذَلِكَ، (كَمَا أَنَّ لَهُ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي (رَدَّهُ)، أَيْ: الْمَبِيعَ (لَوْ وَجَدَهُ أَرْدَأَ). نَصَّ عَلَيْهِ.
الْقِسْمُ (السَّادِسُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ فِي الْمَبِيعِ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ)، إذَا أَخْبَرَ بَائِعٌ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، (وَبَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ أَسْهَلُ مِنْهُ نَصًّا)، لِبُعْدِهِ عَنْ الرِّيبَةِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ لِضِيقِ الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ النَّقْدِ وَالْوَزْنِ وَتَأْخِيرِ الثَّمَنِ، وَمِمَّنْ اشْتَرَاهُ، وَيَلْزَمُهُ الْمُؤْنَةُ وَالرَّقْمُ وَالْقِصَارَةُ وَالسُّمْرَةُ وَالْحَمْلُ، وَلَا يُغَرُّ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا بَيَّنَهُ لَهُ، لِيَعْلَمَ الْمُشْتَرِي بِكُلِّ مَا يَعْلَمُهُ الْبَائِعُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ [الْمُسَاوَمَةُ] انْتَهَى.
(وَيَثْبُتُ) الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ: وَهِيَ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُرَابَحَةُ وَالْمُوَاضَعَةُ، وَاخْتَصَّتْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ كَاخْتِصَاصِ السَّلَمِ بِاسْمِهِ (فِي تَوْلِيَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَلَّيْتُكَهُ)، أَيْ: الْمَبِيعَ (أَوْ بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ) بِعْتُكَهُ (بِمَا اشْتَرَيْتُهُ) بِهِ، (أَوْ) بِعْتُكَهُ (بِرَقْمِهِ) أَيْ: بِثَمَنِهِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، (وَ) هُمَا (يَعْلَمَانِهِ)، أَيْ: الثَّمَنَ أَوْ الرَّقْمَ. (وَفِي شَرِكَةٍ، وَهِيَ بَيْعُ بَعْضِهِ)، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، كَقَوْلِهِ: (أَشْرَكْتُكَ فِي ثُلُثِهِ)، أَوْ أَشْرَكْتُكَ فِي (رُبْعِهِ)، أَوْ ثُلُثَيْهِ، أَوْ ثُمُنِهِ. (وَأَشْرَكْتُكَ فَقَطْ، يَنْصَرِفُ لِنِصْفِهِ)؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، (فَإِنْ) قَالَ لِوَاحِدٍ: أَشْرَكْتُكَ، ثُمَّ (قَالَ لِآخَرَ عَالِمٍ بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ، فَلَهُ نِصْفُ نَصِيبِهِ)، أَيْ: الرَّبْعُ؛ لِأَنَّ إشْرَاكَهُ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَمْلِكُهُ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، (وَإِلَّا) يَعْلَمْ مَقُولٌ لَهُ بِشَرِكَةِ الْأَوَّلِ، (أَخَذَ نَصِيبَهُ كُلَّهُ)- وَهُوَ النِّصْفُ-؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَقَدْ طَلَبَ مِنْهُ نِصْفَ الْمَبِيعِ، وَأَجَابَهُ إلَيْهِ، (وَإِنْ قَالَ) ثَالِثُ لَهُمَا ابْتِدَاءً (أَشْرِكَانِي فَأَشْرَكَاهُ مَعًا، أَخَذَ ثُلُثَهُ)، لِاقْتِضَائِهِ التَّسْوِيَةَ، وَإِنْ أَشْرَكَاهُ (فُرَادَى)، بِأَنْ أَشْرَكَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، (فَلَهُ نِصْفُ مَا لِكُلٍّ) مِنْهَا، وَهُوَ رَبْعُ الْكَامِلِ، فَيَتِمُّ لَهُ النِّصْفُ، وَلَهُمَا النِّصْفُ، (وَمَنْ أَشْرَكَ آخَرَ فِي قَفِيزٍ) اشْتَرَاهُ مِنْ نَحْوِ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ (أَوْ نَحْوِهِ)، كَرِطْلِ حَدِيدٍ، أَوْ ذِرَاعٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ، (قَبَضَ) الَّذِي أُشْرِكَ (بَعْضَهُ)، أَيْ: الْقَفِيزَ وَنَحْوَهُ، (أَخَذَ) الَّذِي أَشْرَكَهُ (نِصْفَ الْمَقْبُوضِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ)؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ بِنَحْوِ كَيْلٍ، لَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا قُبِضَ مِنْهُ، (وَإِنْ بَاعَهُ) مُشْتَرِي الْقَفِيزِ، (كُلَّهُ، أَوْ) بَاعَهُ (مِنْ كُلِّهِ)، أَيْ: كُلِّ الْقَفِيزِ (جُزْءًا)، كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ (يُسَاوِي مَا قَبَضَ) قَدْرًا، (انْصَرَفَ) الْبَيْعِ (إلَى الْمَقْبُوضِ)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ. (وَفِي مُرَابَحَةٍ وَهِيَ بَيْعُهُ)، أَيْ: الْمَبِيعَ (بِثَمَنِهِ)، أَيْ رَأْسِ مَالِهِ، (وَبِرِبْحٍ مَعْلُومٍ)، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا ثَمَنُهُ مِائَةٌ بِعْتُكَهُ بِهَا وَبِرِبْحِ خَمْسَةٍ، (وَلَا كَرَاهَةَ) فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ قَالَ) بِعْتُكَهُ بِثَمَنِهِ (عَلَى أَنْ أَرْبَحَ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا كُرِهَ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِكَرَاهَةِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَأَنَّهُ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ، كَمَا يُكْرَهُ قَوْلُهُ لَهُ (ده يازده)، أَيْ الْعَشْرُ أَحَدَ عَشَرَ (أَوْ) قَوْلُهُ (ده دوازده)، أَيْ: الْعَشَرَةُ اثْنَا عَشَرَ.
قَالَ أَحْمَدُ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْأَعَاجِمِ، وَلِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ لَا يُعْلَمُ فِي الْحَالِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (اعْتِبَارُ الْخِطَابِ بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَكْرُوهٌ، فَإِنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: إيَّاكُمْ وَرَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ). (وَفِي مُوَاضِعَةٍ: وَهِيَ بَيْعٌ بِخُسْرَانٍ)، كَبِعْتَكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ وَوَضِيعَةِ عَشَرَةٍ (وَكُرِهَ فِيهَا)، أَيْ: الْمُوَاضَعَةِ (مَا كُرِهَ فِي مُرَابَحَةٍ)، كَعَلَيَّ أَنْ أَضَعَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا، (فَمَا ثَمَنُهُ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ (مِائَةٌ، وَبَاعَهُ بِهِ)، أَيْ: بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ، (وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَقَعَ) الْبَيْعُ (بِتِسْعِينَ)، لِسُقُوطِ عَشَرَةٍ مِنْ الْمِائَةِ (وَ) إنْ بَاعَهُ بِثَمَنِهِ الْمِائَةِ وَوَضِيعَةِ دِرْهَمَ (لِكُلِّ) عَشَرَةٍ، (أَوْ عَنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَقَعَ) الْبَيْعُ (بِتِسْعِينَ وَعَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ) فِي الصُّورَتَيْنِ (مِنْ أَحَدَ عَشَرَ)، لَا مِنْ الْعَشَرَةِ، فَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، فَيَسْقُطُ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تِسْعَةٌ، وَمِنْ دِرْهَمٍ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْهُ، فَيَبْقَى مَا ذُكِرَ، (وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ حِينَئِذٍ) وَقَعَ الْعَقْدُ، (لِزَوَالِهَا بِالْحِسَابِ) بَعْدَ ذَلِكَ. (وَيُعْتَبَرُ لِلْأَرْبَعَةِ)، أَيْ: التَّوْلِيَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ (عِلْمُهُمَا)، أَيْ: الْعَاقِدَيْنِ (بِرَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ) كَانَ الْعِلْمُ (بِإِخْبَارِ بَائِعٍ) ثِقَةٍ (لِمُشْتَرٍ)- لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. وَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِمَّا أَخْبَرَ بَائِعٌ، تَبِعَ فِيهِ الْمُقْنِعَ وَهُوَ رِوَايَةُ حَنْبَلٍ. (وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ مَتَى بَانَ رَأْسُ مَالٍ أَقَلَّ) مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ بَائِعٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (أَوْ) بَانَ (مُؤَجَّلًا) وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، (حُطَّ الزَّائِدُ) عَنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ فَقَطْ، أَوْ مَعَ قَدْرِهِ مِنْ رِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، فَإِذَا بَانَ رَأْسُ مَالِهِ دُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ كَانَ مَبِيعًا بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِسْقَاطِ قَدْ زِيدَ خَيْرًا، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مَعِيبًا، فَبَانَ سَلِيمًا، وَكَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِمِائَةِ، فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ. (وَيُحَطْ) أَيْضًا (قِسْطُهُ)، أَيْ: الزَّائِدُ (فِي مُرَابَحَةٍ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، (وَيَنْقُصُ) قِسْطُ الزِّيَادَةِ (فِي مُوَاضَعَةٍ)، كَأَنْ: يَقُولَ: هِيَ بِمِائَةٍ، فَتَبِينُ بِخَمْسِينَ، وَيَكُونُ قَدْ وَضَعَ لَهُ عِشْرِينَ، فَإِنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ، وَيَحُطُّ مِنْ الْوَضِيعَةِ عَشَرَةً قِسْطَ الزِّيَادَةِ مِنْهَا، فَتَبْقَى [عَلَيْهِ] بِأَرْبَعِينَ، كَمَا فِي حَوَاشِي ابْنِ نَصْرِ اللَّه. (وَأَجَلُ) ثَمَنٍ (فِي مُؤَجَّلٍ) لَمْ يُخَيَّرْ بِهِ [بَائِعٌ] عَلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ، فَيَكُونُ عَلَى حُكْمِهِ، وَأَجَلِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إلَيْهِ بَائِعُهُ. (وَلَا خِيَارَ) لِمُشْتَرٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى بَائِعٍ غَلَطًا) فِي إخْبَارٍ بِرَأْسِ مَالٍ، كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ قَالَ غَلِطْتُ، بَلْ اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ (بِلَا بَيِّنَةٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالثَّمَنِ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَكَوْنُهُ مُؤْتَمَنًا لَا يَجِبُ قَبُولَ دَعْوَاهُ الْغَلَطَ، أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ إذَا ادَّعَى الْغَلَطَ فِي الرِّبْحِ بَعْدَ إقْرَارِهِ. (وَيَتَّجِهُ كَهِيَ)، أَيْ: كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُ مُدَّعٍ) أَنْكَرَ خَصْمُهُ مَا ادَّعَاهُ (لَا بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ أَتَى بِبَيِّنَةٍ، و(ادَّعَى عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا)، أَيْ: الْبَيِّنَةِ، (وَأَقَامَ بِذَلِكَ) الشَّيْءِ الَّذِي ادَّعَى بِهِ عَلَى خَصْمِهِ (بَيِّنَةً)، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ شَهَادَتُهُمَا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يَعْلَمُهَا، وَنَفْيُ الْعِلْمِ بِهَا، لَيْسَ نَفْيًا لَهَا، فَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا لَهَا، وَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ مُسْتَوْفًى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَاخْتَارَ الْأَكْثَرُ) مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ: الْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَجَزَمَ فِي الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ (يُقْبَلُ قَوْلُ بَائِعٍ بِيَمِينِهِ)، فَيَحْلِفُ، بِطَلَبِ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا دَخَلَ مَعَ الْبَائِعِ فِي الْمُرَابَحَةِ، فَقَدْ ائْتَمَنَهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ بِيَمِينِهِ، (لَا سِيَّمَا) إنْ كَانَ الْبَائِعُ مِمَّنْ هُوَ (مَعْرُوفٌ بِصِدْقِ) الْمَقَالِ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: مُشْتَرَاهُ مِائَةٌ ثُمَّ قَالَ: غَلِطْتُ وَالثَّمَنُ زَائِدٍ عَمَّا أَخْبَرْتُ بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ وَقْتَ الْبَيْعِ أَنَّ ثَمَنَهَا أَكْثَرُ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ، (وَيُخَيَّرُ مُشْتَرٍ إذَنْ)، أَيْ: بَعْدَ حَلِفِ بَائِعٍ (بَيْنَ رَدٍّ وَ) بَيْنَ (دَفْعِ زِيَادَةٍ) ادَّعَاهَا الْبَائِعُ، وَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ عَنْ الْيَمِينِ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِعَدَمِ الْغَلَطِ، (وَلَا يَحْلِفُ مُشْتَرٍ بِدَعْوَى بَائِعٍ عَلَيْهِ عِلْمَ غَلَطٍ)، أَيْ: لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ غَلَطًا، وَقَالَ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ، وَالْتَمَسَ مِنْ الْحَاكِمِ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَلَا يَجِبُ تَحْلِيفُهُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ فَيَسْتَغْنِي بِالْإِقْرَارِ عَنْ الْيَمِينِ. (وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِدُونِ ثَمَنِهَا) الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ (عَالِمًا) بِالنَّقْصِ عَنْ ثَمَنِهَا، (لَزِمَهُ) الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ- (وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِأَنَّ مَا بَاعَهَا بِهِ دُونَ ثَمَنِهَا- (وَإِلَّا) نَقَلَ بِإِلْزَامِهِ الْبَيْعَ، (فَالْجَاهِلُ مِثْلُهُ)، وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ، وَلَا يَبْقَى مَزِيَّةٌ لِقَوْلِهِمْ عَالِمًا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اشْتَرَاهُ)، أَيْ: الْمَبِيعَ تَوْلِيَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ مُرَابَحَةً أَوْ مُوَاضَعَةً (مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ)، كَأَحَدِ عَمُودَيْ نَسَبِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَابَاهُمْ، وَسَمَحَ لَهُمْ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ، (أَوْ) اشْتَرَاهُ (مِمَّنْ حَابَاهُ)، أَيْ: اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غُلَامِ دُكَّانِهِ الْحُرِّ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ حِيلَةً، فَيَلْزَمُهُ بَيَانُ الْحَالِ، (أَوْ) اشْتَرَاهُ (لِرَغْبَةٍ تَخُصُّهُ)، أَيْ: الْمُشْتَرِيَ، (كَسَمْنِ) جَارِيَةٍ، أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا بِجِوَارِ مَنْزِلِهِ، أَوْ أَمَةً لِرَضَاعِ وَلَدِهِ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ، (أَوْ) اشْتَرَاهُ (لِمَوْسِمٍ ذَهَبَ)، كَاَلَّذِي يُبَاعُ عَلَى الْعِيدِ، [أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قُرْبَهُ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ، أَوْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ فَأَخْبَرَ فِي الْبَيْعِ] بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ، أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (بِدَرَاهِمَ، أَوْ) أَخْبَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ وَعَكْسِهِ، بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ، لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ. (أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ)، أَيْ: الْمَبِيعِ (بِقِسْطِهِ) مِنْ الثَّمَنِ، (وَلَيْسَ) الْمَبِيعُ (مِثْلِيًّا)، كَمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ، (لَزِمَهُ بَيَانُ الْحَالِ) لِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرْضَى بِهِ إذَا عَلِمَهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَأَرَادَ بَيْعَهَا دُونَ ثَمَرَتِهَا مُرَابَحَةً، وَنَحْوَهَا، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا وَنَحْوَهُ، جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وَنَحْوَهَا، وَإِنْ لَمْ يَبِنْ الْحَالُ. (فَإِنْ كَتَمَ) بَائِعٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، (خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ رَدٍّ وَإِمْسَاكٍ بِلَا أَرْشٍ)، كَالتَّدْلِيسِ، وَهُوَ حَرَامٌ، كَتَدْلِيسِ الْعَيْبِ، وَهَذَا إنْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بِمَرَضٍ، أَوْ وِلَادَةٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، أَوْ أَخَذَ مُشْتَرٍ صُوفًا أَوْ لَبَنًا وَنَحْوَهُ كَانَ حِينَ بِيعَ، أَخْبَرَ بِالْحَالِ، وَإِنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ، أَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا وَتَقَاسَمَا، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ نَصِيبِهِ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ مُوَاضَعَةً، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ الَّتِي لَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ، كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ حَتَّى يُبَيِّنَ الْحَالَ عَلَى وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الثَّمَنِ عَلَى ذَلِكَ تَخْمِينٌ، وَاحْتِمَالُ الْخَطَأِ فِيهِ كَثِيرٌ. (لَكِنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا (بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ)، وَأَخَذَهُمَا عَلَى الصَّفْقَةِ، (فَلَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا) بِتَخْبِيرِ ثَمَنِهِ (مُرَابَحَةً) أَوْ مُوَاضَعَةً (بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ)؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، فَهُمَا كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ الْمُتَمَاثِلَةِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَابَلَهُ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ، كَانَ لَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ، وَإِنْ حَصَّلَ فِي أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ، جَرَتْ مَجْرَى النَّمَاءِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا يُؤَثِّرُ عَدَمُ الْإِخْبَارِ بِهِ فِي بَيْعِ الثَّانِي بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ.
تَتِمَّةٌ:
إذَا أَرَادَ الْبَائِعُ الْإِخْبَارَ بِثَمَنِ سِلْعَةٍ، وَكَانَتْ بِحَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أَخْبَرَ بِثَمَنِهَا [الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، سَوَاءٌ غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ، فَإِنْ رَخُصَتْ وَأَخْبَرَهُ بِدُونِ ثَمَنِهَا]، وَلَمْ يُبِنْ الْحَالَ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ حَرَامٌ. (وَمَا يُزَادُ فِي ثَمَنٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (أَوْ) يُزَادُ فِي (مُثَمَّنٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ، (أَوْ) يُزَادُ فِي (أَجَلٍ) زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (أَوْ) يُزَادُ فِي (خِيَارِ) شَرْطٍ فِي بَيْعٍ، يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ، فَيُخَيَّرُ بِهِ، كَأَصْلِهِ، (أَوْ)، أَيْ: وَمَا (يُحَطُّ)، أَيْ: يُوضَعُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ أَوْ أَجَلٍ أَوْ خِيَارٍ (زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ)، أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ، (يَلْحَقُ بِهِ)، أَيْ: الْعَقْدِ، فَيَجِبُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ، كَأَصْلِهِ، تَنْزِيلًا لِحَالِ الْخِيَارِ مَنْزِلَةَ حَالِ الْعَقْدِ، وَإِنْ حُطَّ الثَّمَنُ كُلُّهُ، فَهِبَةٌ، وَلَا يَلْحَقُ بِعَقْدِ مَا زِيدَ، أَوْ حُطَّ فِيمَا ذُكِرَ (بَعْدَ لُزُومِهِ)، أَيْ: الْعَقْدِ، فَلَا يَجِبُ [أَنْ يُخْبِرَ بِهِ، (وَلَا إنْ جَنَى مَبِيعٌ فَفَدَاهُ مُشْتَرٍ، أَوْ مَرِضَ فَدَاوَاهُ)، فَلَا يَلْحَقُ] ذَلِكَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ بِهِ الْمَبِيعُ ذَاتًا وَلَا قِيمَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مُزِيلٌ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ الْمَرَضِ، (أَوْ)، أَيْ: وَكَذَا لَوْ (مَانَهُ) أَوْ كَسَاهُ، لَا تَلْحَقُ بِالثَّمَنِ، (وَإِنْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، فَحَسَنٌ)؛ لِأَنَّهُ أَتَمُّ فِي الصِّدْقِ. (وَإِنْ أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (أَرْشًا لِعَيْبٍ أَوْ) أَرْشًا (لِجِنَايَةٍ) عَلَى مَبِيعٍ، (أَخْبَرَ بِهِ) إذَا بَاعَ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهِهِ- وَلَوْ كَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ-؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ، فَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهَذَا، أَوْ أَخَذَ أَرْشَهُ كَذَا. و(لَا) يَلْزَمُ إخْبَارٌ (بِأَخْذِ نَمَاءٍ حَادِثٍ، وَاسْتِخْدَامٍ، وَوَطْءٍ، مَا لَمْ يُنْقِصْهُ) الْوَطْءُ، كَبِكْرٍ، فَيَلْزَمُهُ الْإِخْبَارُ بِهِ، كَمَا لَوْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ وَأَخَذَ الْأَرْشَ. (وَهِبَةُ مُشْتَرٍ لِوَكِيلٍ بَاعَهُ) شَيْئًا مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ، (كَزِيَادَةٍ) فِي الثَّمَنِ، فَتَكُونُ لِبَائِعٍ وَيُخَيَّرُ بِهَا. (وَهِبَةُ بَائِعٍ لِوَكِيلٍ) اشْتَرَى مِنْهُ، (كَنَقْصٍ) مِنْ الثَّمَنِ، فَتَلْحَقُ بِالْعَقْدِ (لِأَنَّهَا لِمُوَكِّلِهِ)، وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَيُخَيَّرُ بِهَا. (وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، [وَعَمِلَ]) فِيهِ بِنَفْسِهِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً، (أَوْ) عَمِلَ (غَيْرُهُ فِيهِ)، أَيْ: الثَّوْبِ، فَصَبَغَهُ، أَوْ قَصَّرَهُ (- وَلَوْ بِأُجْرَةٍ- مَا يُسَاوِي عَشَرَةً، أَخْبَرَ بِهِ) عَلَى وَجْهِهِ، فَإِنْ ضَمَّهُ إلَى الثَّمَنِ، وَأَخْبَرَ بِهِ، كَانَ كَاذِبًا، وَتَغْرِيرًا لِلْمُشْتَرِي. (وَلَا يَجُوزُ) قَوْلُهُ: (تَحَصَّلَ) عَلَيَّ (بِعِشْرِينَ)؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ. (وَمِثْلُهُ أُجْرَةُ نَحْوِ مَكَانِ) الْمَبِيعِ، (وَ) أُجْرَةُ (كَيْلِهِ)، وَأُجْرَةُ (وَزْنِهِ، وَ) أُجْرَةُ (حَمْلِهِ) وَسِمْسَارِهِ، فَيُخْبِرُ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يَضُمُّهُ إلَى الثَّمَنِ، فَيُخَيِّرُ بِهِ، وَلَا يَقُولُ تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ، فَأَخْبَرَ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسِهِ، أَوْ بِنَقْدٍ، وَأَخْبَرَ بِعَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَلِمُشْتَرٍ الْخِيَارُ. (وَإِنْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، لَمْ يَبْقَ مُرَابَحَةٌ، بَلْ يُخَيَّرُ بِالْحَالِ)؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ، وَأَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ، (أَوْ يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنْ) الْعَشَرَةِ (الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ) تَحَصَّلَ (عَلَيْهِ بِخَمْسَةٍ)؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ أَحَدُ نَوْعَيْ النَّمَاءِ، فَوَجَبَ الْإِخْبَارُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَنَحْوِهَا، كَالنَّمَاءِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ، كَالثَّمَرَةِ وَنَحْوِهَا، و(لَا) يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ (أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ)، وَهُوَ حَرَامٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (وَقِيلَ يَجُوزُ) أَنْ يُخْبِرَ (أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْإِنْصَافِ) وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ- وَهُوَ الْمَذْهَبُ- (لَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ)، بِأَنْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، (أَخْبَرَ بِالْحَالِ) عَلَى وَجْهِهِ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَهُمْ، (وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِأَيِّ ثَمَنٍ كَانَ بَيْنَهُ)، أَيْ: الثَّمَنِ الثَّانِي، إذْ بَاعَ بِتَخْبِيرِ الثَّمَنِ، (وَلَا يَضُمُّ الْخَسَارَةَ لِثَمَنٍ ثَانٍ)؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ. (وَمَا بَاعَهُ اثْنَانِ) مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (مُرَابَحَةً، فَثَمَنُهُ) بَيْنَهُمَا (بِحَسَبِ مِلْكِيَّتِهَا)، كَمُسَاوَمَةٍ، و(لَا) يَكُونُ ثَمَنُهُ (عَلَى رَأْسِ مَالَيْهِمَا). هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمَبِيعِ فَهُوَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، (وَلَوْ اشْتَرَيَا)، أَيْ: اثْنَانِ (ثَوْبًا بِعِشْرِينَ، فَسِيمَ) الثَّوْبُ مِنْهُمَا (بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ، فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِذَلِكَ) السِّعْرِ الْمَبْذُولِ لَهُمَا، (أَخْبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ) وَنَحْوِهَا (بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ)، عَشَرَةٍ ثَمَنِ نَصِيبِهِ الْأَوَّلِ، وَأَحَدَ عَشَرَ ثَمَنِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، (لَا بِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ)؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ.
الْقِسْمُ (السَّابِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ) يَثْبُتُ (لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعِينَ) فِي الثَّمَنِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ. (إذَا) (اخْتَلَفَا، أَوْ) اخْتَلَفَ (وَرَثَتُهُمَا)، أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَرَثَةُ الْآخَرِ (فِي قَدْرِ ثَمَنٍ) قَبْلَ قَبْضِهِ، بِأَنْ قَالَ: بَائِعٌ أَوْ وَارِثُهُ: الثَّمَنُ أَلْفٌ، وَقَالَ مُشْتَرٍ أَوْ وَارِثُهُ: ثَمَانِمِائَةٍ، (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا، تَحَالَفَا، أَوْ كَانَ (لَهُمَا)، أَيْ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ، (وَتَعَارَضَتَا)، أَيْ: الْبَيِّنَتَانِ، (تَحَالَفَا)، أَيْ، الْمُتَعَاقِدَانِ، وَسَقَطَتْ بَيِّنَتَاهُمَا، فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ (- وَلَوْ بَعْدَ تَلَفِ مَبِيعٍ-؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ صُورَةً، وَكَذَا حُكْمًا لِسَمَاعِ بَيِّنَتِهِمَا)، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ: ( «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا تَحَالَفَا») وَإِنَّمَا قُلْنَا يَتَحَالَفَانِ- وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً- لِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: لَمْ يَقُلْ فِيهِ وَالْمَبِيعُ قَائِمٌ إلَّا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَقَدْ أَخْطَأَ. رَوَاهُ الْخَلْقُ الْكَثِيرُ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ لَمْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَلَكِنَّهَا فِي حَدِيثِ مَعْنٍ. (وَلَا يُسْمَعُ فِي الدَّيْنِ إلَّا بَيِّنَةُ مُدَّعٍ بِاتِّفَاقِنَا). قَالَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، (فَيَحْلِفُ بَائِعٌ أَوَّلًا)، لِقُوَّةِ بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يُرَدُّ إلَيْهِ (مُقَدَّمَا لِلنَّفْيِ عَلَى الْإِثْبَاتِ) قَائِلًا فِي حَلِفِهِ: (مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، أَوْ إنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا)، فَالنَّفْيُ لِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَالْإِثْبَاتُ لِمَا ادَّعَاهُ، (ثُمَّ) يَحْلِفُ (مُشْتَرٍ مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا)، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيَحْلِفُ وَارِثٌ حَضَرَ الْعَقْدَ عَلَى الْبَتِّ)، إنْ عَلِمَ الثَّمَنَ، (وَإِلَّا) يَحْضُرْ الْعَقْدَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّمَنَ، فَيَحْلِفُ (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ)؛ لِأَنَّهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ. ثُمَّ بَعْدَ التَّحَالُفِ (إنْ) (رَضِيَ أَحَدُهُمَا)، أَيْ: الْعَاقِدَيْنِ (بِقَوْلِ الْآخَرِ)، أَخَّرَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ بِقَوْلِهِ مِنْهُمَا، حَصَلَ مَا ادَّعَاهُ، فَلَا خِيَارَ لَهُ، (أَوْ نَكَلَ) أَحَدُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ، (وَحَلَفَ الْآخَرُ)، (أَقَرَّ الْعَقْدَ) بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، (وَلَزِمَ نَاكِلًا) مِنْهُمَا (مَا حَلَفَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) لِقَضَاءِ عُثْمَانَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَنَّ النُّكُولَ كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ نَكَلَ، وَبِمَنْزِلَةِ الْإِقْرَارِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ بَدَّلَ أَحَدَ شِقَّيْ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ نَاكِلًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا بِالْمَجْمُوعِ، (وَإِلَّا) يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ بَعْدَ التَّحَالُفِ، (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (الْفَسْخُ)، وَلَوْ (بِلَا حَاكِمٍ)؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةَ، أَشْبَهَ رَدَّ الْمَعِيبِ. (وَيُفْسَخُ) الْبَيْعُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي حَقِّهِمَا- وَلَوْ مَعَ ظُلْمِ أَحَدِهِمَا-) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا يُفْسَخُ) الْعَقْدُ (بِتَحَالُفٍ أَوْ جُحُودٍ)، بَلْ مِنْ تَصْرِيحِ أَحَدِهِمَا بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فَلَمْ يُفْسَخْ بِاخْتِلَافِهِمَا وَتَعَارُضِهِمَا فِي الْحُجَّةِ، كَمَا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً.
قَالَ الْمُنَقِّحُ: (فَإِنْ نَكَلَا)، أَيْ: امْتَنَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ الْحَلِفِ، (صَرَفَهُمَا) حَاكِمٌ، (كَمَا لَوْ نَكَلَ مَنْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ) عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَكَذَا إجَارَةٌ) اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرَانِ أَوْ وَرَثَتُهُمَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ، (فَإِذَا تَحَالَفَا)- كَمَا تَقَدَّمَ- (وَفُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةٍ)، فَعَلَى مُسْتَأْجِرٍ (أُجْرَةُ مِثْلِ) الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، (وَ) إنْ فُسِخَتْ أَثْنَاءَهَا، أَيْ: مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يُؤْخَذُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ (بِالْقِسْطِ) مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنْفَعَةِ. (وَيَحْلِفُ بَائِعٌ فَقَطْ، إنْ كَانَ التَّحَالُفُ) فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنٍ وَفَسْخِ عَقْدٍ، بِنَحْوِ إقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ)؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ. (وَإِذَا تَحَالَفَا)، أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (بَعْدَ تَلَفِ بَيْعٍ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنٍ، غَرِمَ مُشْتَرٍ مِثْلَهُ) أَيْ: الْمَبِيعِ، إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (أَوْ قِيمَتَهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ، وَصَاحِبَ الْمُنْتَهَى أَوْجَبُوا الْقِيمَةَ، وَأَطْلَقُوا. وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ تَالِفَةً، وَتَحَالَفَا، رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا، إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى الْخِلَافِ، كَمَا الْتَزَمَ. (وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ (فِيهَا)، أَيْ: قِيمَةِ الْمَبِيعِ التَّالِفِ، نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، (إذَا لَمْ تُعْرَفْ قِيمَةُ مِثْلِهِ) فَلَوْ عُرِفَتْ، رَجَعَ إلَيْهَا.
(وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ مُشْتَرٍ (فِي قَدْرِهِ)، أَيْ: الْمَبِيعِ التَّالِفِ، (وَفِي صِفَتِهِ): بِأَنْ قَالَ بَائِعٌ: كَانَ الْعَبْدُ كَاتِبًا، وَأَنْكَرَهُ مُشْتَرٍ، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَلَوْ وَصَفَ السِّلْعَةَ التَّالِفَةَ مُشْتَرٍ بِعَيْبٍ، كَبَرَصٍ وَجُنُونٍ وَخَرْقِ ثَوْبٍ وَقَطْعِ إصْبَعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ. (وَإِنْ تَعَيَّبْ) مَبِيعٌ عِنْدَ مُشْتَرٍ (قَبْلَ تَلَفِهِ، ضَمَّ أَرْشَهُ إلَيْهِ) إلَى قِيمَتِهِ حَالَ عَقْدٍ، لِاعْتِبَارِهَا حِينَئِذٍ، لَا حِينَ تَلَفٍ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِقْنَاع. (وَكَذَا كُلُّ غَارِمٍ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي قِيمَةِ مَا يَغْرَمُهُ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، كَمُشْتَرٍ، (وَلَا) يُقْبَلُ (وَصْفُهُ)، أَيْ: وَصْفُ مُشْتَرٍ الْمَبِيعَ التَّالِفَ، وَالْغَارِمِ لِمَا يَغْرَمُ (بِعَيْبٍ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ، (وَإِنْ ثَبَتَ عَيْبُهُ، قَبْلَ قَوْلِهِ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي، أَوْ الْغَارِمِ (فِي تَقَدُّمِهِ)، أَيْ: الْعَيْبِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا يُدَّعَى عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ قَبُولِهِ قَوْلُهُ (حَيْثُ اُحْتُمِلَ) صِدْقُهُ، بِأَنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ، كَمَا لَوْ وُجِدَ بِهِ جُرْحٌ طَرِيٌّ، وَادَّعَى قِدَمَهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
الْقِسْمُ (الثَّامِنُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ يَثْبُتُ لِلْخُلْفِ فِي الصِّفَةِ) إذَا بَاعَهُ بِالْوَصْفِ، (وَلِتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ الْعَقْدَ، وَتَقَدَّمَ) فِي السَّادِسِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ. (وَيَتَّجِهُ أَنْ يُزَادَ) عَلَى أَقْسَامِ الْخِيَارِ قِسْمًا تَاسِعًا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
الْقِسْمُ (التَّاسِعُ) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ (خِيَارٌ يَثْبُتُ) لِلْمُشْتَرِي (لِفَقْدِ شَرْطٍ صَحِيحٍ أَوْ) فَقْدِ شَرْطٍ (فَاسِدٍ) سَوَاءٌ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لَا يُبْطِلُهُ، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطَهُ، وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ (عَلَى مَا مَرَّ) تَفْصِيلُهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ.
(وَ) يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَيْضًا (لِفَوَاتِ غَرَضٍ مِنْ ظَنٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (دُخُولَ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ فِي شِرَاءٍ، أَوْ) ظَنِّ (عَدَمِهِ)، أَيْ: الدُّخُولِ (فِي بَيْعٍ كَمَا يَأْتِي) قَرِيبًا.
(وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (بِظُهُورِ عُسْرِ مُشْتَرٍ- وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ-) سَوَاءٌ (هَرَبَ) الْمُشْتَرِي (أَوْ لَا)، فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ (أَوْ)، أَيْ: وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ (حُجِرَ عَلَيْهِ)، أَيْ: عَلَى الْمُشْتَرِي (لِفَلَسٍ)، وَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ بِشُرُوطِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ إذَا ظَهَرَ الْإِعْسَارُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إنْظَارِهِ، (أَوْ)، أَيْ: وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا (غَيَّبَ) مُشْتَرٍ (مَالَهُ) بِمَحَلٍّ (بَعِيدٍ)، كَمَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ. (وَلَا فَسْخَ لِبَائِعٍ بِكَوْنِ مُشْتَرٍ مُوسِرًا مُمَاطِلًا)؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَنْدَفِعُ بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: بَلْ (لَهُ) أَيْ: الْبَائِعِ (الْفَسْخُ) إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا مُمَاطِلًا، دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ. قُلْتُ لَوْ رَأَى فُقَهَاؤُنَا أَهْلَ زَمَانِنَا وَحُكَّامَنَا، لَحَذَفُوا هَذَا الْفَرْعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَحَكَمُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ الْمُوسِرِ الْمُمَاطِلِ. (وَلَا) فَسْخَ لِلْبَائِعِ (بِهُرُوبِهِ)، أَيْ: الْمُشْتَرِي الْمُوسِرِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ، (وَيُوفِي حَاكِمٌ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ إنْ وُجِدَ) لَهُ مَالٌ، (وَإِلَّا بَاعَ الْمَبِيعَ، وَوَفَّى ثَمَنَهُ مِنْهُ)، وَحَفِظَ الْبَاقِيَ إنْ كَانَ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةَ مَالِ الْغَائِبِ، كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ. وَإِنْ لَمْ يُوفِ الْمَبِيعُ بِالثَّمَنِ، فَيَتْبَعُ بَائِعٌ مُشْتَرِيًا بِمَا بَقِيَ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ هَرَبِهِ.